أما
الخصال المطيبة للعيش التي لا بد من مراعاتها في المرأة ليدوم العقد وتتوفر
مقاصده ثمانية :
الدين والخلق والحسن وخفة المهر والولادة
والبكارة والنسب وأن لا تكون قرابة قريبة
الأولي : أن تكون صالحة ذات دين فهذا هو
الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء فأنها أن
كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها وفرجها آزرت بزوجها وسودت بين الناس وجه
وشوشت بالغيرة قلبه وتنغص بذلك عيشه فأن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء
ومحنة وأن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية
والآنفة وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها اشد إذ يشق علي الزوج مفارقتها فلا
يصبر عنها ولا يصبر عليها ويكون كالذي جاء إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال
يا رسول الله أن لي امرأة لا ترد يد لامس
قال : " 1 طلقها " فقال : أني احبها قال :
" امسكها " وأنما آمره
بإمساكها خوفا عليه بأنه إذا طلقها اتبعها نفسه وفسد هو أيضا معها فرأي ما في دوام
نكاحه من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولي وأن كانت فاسدة الدين باستهلاك ماله أو
بوجه آخر لم يزل العيش مشوشا معه فأن سكت ولم ينكره كان شريكا في المعصية مخالفا
لقوله تعالي : " قوا أنفسكم
وأهليكم نارا "2 وأن أنكر وخاصم تنغص العمر ولهذا بالغ رسول الله صلي الله
عليه وسلم في التحريض علي ذات الدين فقال : " تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها
فعليك بذات الدين تربت يداك"3 وفي حديث آخر : " من نكح المرأة لمالها وجمالها ، ومن نكحها
لدينها رزقه الله مالها وجمالها " 4 وقال صلى الله عليه وسلم " لا تنكح المرأة
لجمالها فلعل جمالها
يرديها و لا لمالها فلعل مالها يطغيها وأنكح المرأة لدينها "5 وأنما بالغ في
الحث علي الدين لأن مثل هذه المرأة تكون عونا علي الدين فأما إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدين ومشوشة له
الثانية : حسن الخلق وذلك اصل مهم في طلب
الفراغة والاستعانة علي الدين : فأنها إذا كانت سليطة بذئة اللسان سيئة الخلق
كافرة للنعم كان الضرر منها اكثر من النفع والصبر علي لسان النساء مما تنكحوا
حداقة و لا براقة و لا شداقة أما الإانانة فهي التي تكثر الأنين والتشكي وتعصب رأسها
كل ساعة فنكاح الممراضة أو نكاح المتمارضة لا خير فيه والمنانة : التي تمن علي
زوجها فتقول : فعلت لاجلك كذا وكذا والحنانة : التي تحن إلى زوج آخر أو لدها من
زوج آخر وهذا أيضا مما يجب اجتنابه والحداقة : التي ترمي إلى كل شئ بحدقتها
فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه والبراقة تحتمل معنيين : أحدهما أن تكون طول النهار في
تصقيل وجهها وتزيينه ليكون لوجهها بريق محصل بالصنع والثاني أن تغضب علي الطعام
فلا تآكل آلا وحدها وتستقل نصيبها من كل شئ وهذه لغة يمانية يقولون : برقت المرأة
وبرق الصبي الطعام إذا غضب عنده والشداقة : المشتدقة الكثيرة الكلام ومنه قوله
عليه السلام : “ أن الله تعالي يبغض
الثرثارين المتشدقين "6 وحكي أن السائح الإزدي لقي اليأس عليه السلام في
سياحته فآمره بالتزوج ونهاه عن التبتل ثم قال : لا تنكح أربعا المختلعة والمبارية
والعاهرة والناشز فأما المختلعة : فهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب
والمبارية : المباهية بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا والعاهرة : الفاسقة التي تعرف
بخليل وخدن وهي التي قال الله تعالي "
و لا متخذات اخدأن"7 والناشز : التي تعلوعلي زوجها بالفعال والمقال والنشز : العالي
من الأرض وكان علي رضي الله عنه يقول : شر خصال الرجال خصال النساء البخل والزهو
والجبن فأن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال زوجها وإذا كانت مزهوة استنكفت
أن تكلم كل أحد بكلام لين مريب وإذا كانت جبانة فرقت من كل شئ فلم تخرج من بيتها
واتقت مواضع التهمة خيفة من زوجها فهذه الحكايات ترشد إلى مجامع الأخلاق المطلوبة
في النكاح
الثالثة : حسن الوجه فذلك أيضا مطلوب إذ به
يحصل التحصن والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبا كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا
يفترقان وما نقلناه من الحث علي الدين وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال بل هو زجر عن النكاح لاجل
الجمال المحض مع الفساد في الدين فأن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح
ويهون أمر الدين ويدل علي الالتفات إلى معني الجمال أن الآلفة والمودة تحصل به
غالبا وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الآلفة ولذلك استحب النظر فقال :
" إذا أوقع الله في نفس أحدكم من
امرأة فلينظر إليها فأنه أحرى أن يؤدم بينهما "8 أي يؤلف بينهما من وقوع
الأدمة علي
الأدمة : وهي الجلدة الباطنة والبشرة الجلدة الظاهرة وأنما ذكر ذلك
للمبالغة في الائتلاف وقال عليه الصلاة والسلام : " أن في أعين الأنصار شيئا فإذا أراد أحدكم أن
يتزوج منهن فلينظر إليهن "9 قيل : كان في أعينهن عمش وقيل : صغر وكان بعض
الورعين لا ينكحون كرائمهم آلا بعد النظر احترازا من العرور قال الأعمش : كل تزويج
يقع علي غير نظر فاخره هم وغم ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وأنما
يعرف الجمال من القبح وروي أن رجلا تزوج علي عهد عمر رضي الله عنه وكان قد خضب
فنصل خضابه فاستعدي عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا : حسبناه شابا : فأوجعه عمر
ضربا وقال : غررت القوم وروي أن بلالا وصهيبا آتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم
فقيل لهما من أنتما ؟ فقلل بلال : أنا بلال وهذا أخي صهيب كنا ضالين فهدأنا الله
وكنا مملوكين فاعتقنا الله وكنا عائلين فاغنانا الله فأن تزوجونا فالحمد لله وأن تردونا فسبحان الله
فقالوا بل تزوجان والحمد لله فقال صهيب : لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله
صلي الله عليه وسلم فقال : اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق والغرور يقع في الجمال
والخلق جميعا فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر وفي الخلق بالوصف والإستيصاف
فينبغي أن يقدم ذلك علي النكاح و لا ستوصف
في أخلاقها وجمالها آلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن و لا يميل إليها
فيفرط في الثناء و لا يحسدها فيثصر فالطباع مائلة في مبادئ النكاح ووصف المنكوحات
إلى الإفراط والتفريط وقل من يصدق فيه ويقتصد بل الخداع والإغراء اغلب والاحتياط
فيه مهم لمن يخشي علي نفسه التشوف إلى غير زوجته فأما من أراد من الزوجة مجرد
السنة أو الولد أو تدبير المنزل فو رغب عن الجمال فهو إلى الزهد اقرب لأنه علي
الجملة باب من الدنيا وأن كان قد يعين علي الدين في حق بعض الأشخاص قال أبو سليمان
الداراني : الزهد في كل شئ حتى في المرأة يتزوج الرجل العجوز ايثارا للزهد في
الدنيا وقد كان مالك بن دينار رحمه الله يقول : يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر
فيها أن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضي باليسير ويتزوج بنت فلأن وفلان يعني
أبناء الدنيا فتشتهي عليه الشهوات وتقول : اكسني كذا وكذا ! واختار احمد بن حنبل
عوراء علي أختها وكانت أختها جميلة فسال :
من اعقلهما ؟ فقيل : العوراء فقال : زوجوني إياها فهذا داب من لم يقصد التمتع فأما
من لا يأمن علي دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب الجمال فالتلذذ بالمباح حصن للدين
وقد قيل : إذا كانت المراء حسناء خيرة الأخلاق سوداء الحدقة والشعر كبيرة العين
بيضاء اللون محبة لزوجها قاصرة الطرف عليه فهي علي صورة الحور العين فأن الله
تعالي وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في
قوله : " خيرات حسان 10 أراد بالخيرات حسنات الأخلاق وفيه قوله “ قاصرات الطرف "11 وفي قوله : " عربا أترابا "12 العروب هي العاشقة لزوجها
المشتهية للوقاع وبه تتم اللذة والحور :
البياض والحوراء : شديدة بياض العين شديدة سوادها في سواد الشعر والعيناء الواسعة
العين وقال عليه الصلاة والسلام "
خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا آمراها أطاعته وإذا غاب عنها
حفظته في نفسها وماله "13 وأنما يسر بالنظر إليها إذا كانت محبة للزوج
الرابعة : أن تكون خفيفة المهر قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم " خير
النساء أحسنهن وجوها أرخصهن مهورا "14 وقد نهي عن المغالاة في المهر "15
تزوج رسول الله صلي الله عليه وسلم بعض نسائه علي عشرة دراهم وأثاث بيت وكان رح يد
وجرة ووسادة من أدم حشوها ليف 16 وأولم علي بعض نسائه بندين من شعير 17 وعلي أخرى
بمدين من تمر ومدين من سويق 18 وكان عمر رضي الله عنه ينهي عن المغالاة في الصداق
ويقول : ما تزوج رسول الله صلي الله عليه وسلم و لا زوج بناته بأكثر من أربعمائة
درهم 19 ولو كانت المغالاة بمهور النساء
مكرمة لسبق إليها رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد تزوج بعض أصحاب رسول الله صلي
الله عليه وسلم علي نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم 20
وزوج سعيد بن المسيب أبنته من أبي هريرة رضي الله عنه
علي درهمين ثم حملها هو إليه ليلا فادخلها هو من الباب ثم أنصرف ثم جاءها بعد سبعة
أيام فسلم عليها ولو تزوج علي عشرة دراهم للخروج من خلاف العلماء فلا باس به وفي
الخبر : " من بركة المرأة سرعة
تزويجها وسرعة رحمها " أي الولادة و "
يسر مهرها "21 وقال أيضا : "
ابركهن اقلهن مهرا "22 وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة
فيكره السؤال عن مالها من جهة الرجل و لا ينبغي أن ينكح طمعا في المال قال الثوري
: إذا تزوج وقال : أي شئ للمرآة ؟ فاعلم أنه لص وإذا اهدي إليهم فلا ينبغي أن يهدي
ليضطرهم إلى المقابلة بأكثر منه وكذلك إذا اهدوا إليه فنية طلب الزيادة نية فاسدة
فأما التهادي فمستحب وهو سبب المودة قال عليه السلام : " تهادوا تحابوا "23 وأما طلب الزيادة فداخل
في قوله تعالي : " و لا تمنن تستكثر
"24 أي تعطي لتطلب اكثر وتحت قوله تعالي : " وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس
"25 فأن الربا هو الزيادة وهذا طلب زيادة علي الجملة وأن لم يكن في الأموال
الربوية فكل ذلك مكروه وبدعة في النكاح يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح
الخامسة : أن تكون المرأة ولودا فأن عرفت بالعقر فليمتنع
عن تزوجها قال عليه السلام : " عليكم بالولود "26 فأن لم يكن لها زوج ولم
يعرف حالها فيراعي صحتها وشبابها فأنها تكون ولودا في الغالب مع هذين الوصفين
السادسة : أن تكون بكرا قال عليه السلام لجابر : وقد نكح
ثيبا : " هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك
"27 في البكارة ثلاث فوائد إحداها :
أن تحب الزوج وتآلفه فيؤثر في معني الود وقد قال صلي الله عليه وسلم : "
عليكم بالودود " والطباع مجبولة علي الإنس بأول مألوف وأما التي اختبرت
الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضي بعض الأوصاف التي تخالف ما الفته فتقلي الزوج
الثانية : أن ذلك اكمل في مودته لها فأن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة
ما وذلك يثقل علي الطبع مهما يذكر وبعض الطباع في هذا اشد نفورا الثالثة : أنها لا
تحن إلى الزوج الأول واكد الحب ما يقع مع الحبيب الأول غالبا
السابعة : أن تكون نسيبة اعني أن تكون من أهل بيت الدين
والصلاح فأنها ستربي بناتها وبنيها فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية
ولذلك قال عليه السلام : " إياكم وخضراء الدمن " فقيل : ما خضراء الدمن
؟قال : " المرأة الحسناء في المنبت
السوء "28 وقال عليه السلام : " تخيروا لنطفكم فأن العرق نزاع "29
الثامنة : أن لا تكون من القرابة القريبة
فأن ذلك يقلل الشهوة : قال صلي الله عليه وسلم " لا تنكحوا القرابة القريبة
فأن الولد يخلق ضأويا " 30 أي نحيفا وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة فأن الشهوة
أنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر واللمس وأنما يقوي الإحساس بالأمر الغريب الجديد
فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فأنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به و
لا تنبعث به الشهوة فهذه هي الخصال المرغبة في النساء ويجب علي الولي أيضا أن
يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا يزوجها ممن ساء خلقه أو خلقه أو ضعف دينه أو
قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها قال عليه السلام : " النكاح
رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته "31 والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة
بالنكاح لا مخلص لها والزوج قادر علي
الطلاق بكل حال ومهما زوج أبنته ظالما أو فاسقا أو مبتدعا أو شارب خمر فقد جني علي
دينه وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم وسوء الاختيار وقال رجل للحسن : قد خطب
أبنتي جماعة فمن ازوجها ؟ قال ممن يتقي الله فأن احبها أكرمها وأن ابغضها لم
يظلمها وقال عليه السلام " من زوج
كريمته من فاسق فقد قطع رحمها